ماذا كتب عبدالباري عطوان عن حرب إسرائيل “الوجوديّة” ضدّ إيران؟
لماذا يستعد قادة عرب لخوض حرب إسرائيل “الوجوديّة” ضدّ إيران؟ وما هي “الطّبخة” التي يعكفون على إعدادها قبل وصول “الشّيف” الأعظم جو بايدن مُنتصف الشّهر المُقبل إلى قمّة الرياض لمُباركتها؟ هل نحن أمام “نكبة” عربيّة أكبر؟
عبد الباري عطوان
تشهد منطقة الشّرق الأوسط حِراكًا سياسيًّا ودبلوماسيًّا مُكَثَّفًا هذه الأيّام على أكثر من جبهة، فاليوم الاثنين حطّ الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي الرّحال في قاهرة المُعز في جولةٍ “ثُلاثيّة” تستمرّ “ثلاثة أيّام” وتشمل الأردن وتركيا أيضًا، واستضاف مُنتجع شرم الشيح المِصري قمّةً “ثُلاثيّةً” أمس الأحد ضمّت العاهلين الأردني والبحريني إلى جانب الرئيس المِصري المُضيف، فما الذي يجري بالضّبط، وما هي “الطّبخة” التي يعكف هؤلاء التّحضير لها، قبل وصول “الشّيف الأكبر” إلى الرياض مُنتصف الشّهر المُقبل.
العُنوان الأبرز لهذه الاجتماعات والقمم والجولات، هو حالة “الهلع” التي تسود دولة الاحتِلال الإسرائيلي من جرّاء انهيار مُفاوضات فيينا النوويّة غير المُعلن، واقتراب إيران من امتِلاك أسلحة نوويّة، وتزايد قوّة أذرعها الحليفة صاروخيًّا وعسكريًّا، واللّافت أن دولة الاحتلال، تُريد تصدير هذا “الهلع” إلى دُوَلٍ عربيّة وخاصَّةً في منطقة الخليج، لتكون أراضيها وشُعوبها ميدانًا لأيّ حرب، ربّما وشيكة ضدّها (إيران).
الجِنرال بيني غانتس وزير الحرب الإسرائيلي كشف في تصريحات له أمام الكنيست (اليوم) أن بلاده تعكف حاليًّا على بناء تحالف للدّفاع الجوّي في الشّرق الأوسط بقيادة الولايات المتحدة، والهدف منه “زيادة اندماج إسرائيل في المنطقة، وعزل إيران، والمزيد من اتّفاقات “تطبيع أبراهام”، وأطلق على هذا التّحالف اسم “تحالف الدّفاع الجوّي في الشّرق الأوسط”، فلماذا تكون بعض حُكوماتنا شريكًا لهذا العدوّ، وتهرع لإنقاذه، وتدخل شريكةً في حُروبه.
إسرائيل قلقة ومرعوبة من البرنامج النووي الإيراني، واقترابه من إنتاج رؤوس نوويّة، ممّا يعني تحقيق توازن الرّعب النووي، وإنهاء هيمنتها في المنطقة، أيّ أن المُشكلة إيرانيّة إسرائيليّة بالدّرجة الأولى، فما دخلنا نحن كعرب، ولماذا نتحوّل إلى “كمبارس” في هذا الصّراع، وندفع ثمن تورّطنا فيه من مالنا وأرواح وأبنائنا وزعزعة أمننا واستقرارنا وتدمير بُلداننا، في وقتٍ يقف فيه العالم على أبوابِ حربٍ عالميّةٍ ثالثة، ومجاعة كونيّة شِبْه مُؤكّدة؟
نحن كعرب نعيش هذه الأيّام أجمل أوقاتنا، ونحمد الله ليل نهار على انتقال الحرب من مِنطقتنا إلى أوروبا وتورّط الغرب الاستعمار بزعامة أمريكا فيها، ومع خصم روسي “أوروبي” عنيد، فلماذا نسمح للرئيس الأمريكي جو بايدن المهزوم في هذه الحرب بإفساد هذه “الفرحة”، إعادة الحرب إلى مِنطقتنا مجددًا، وجرّنا إلى مُواجهةٍ مع إيران تنفيذًا لمُخطّطاتٍ إسرائيليّة وتأسيس “ناتو عربي إسرائيلي”، ركيزته الأولى “تحالف الدّفاع الجوّي في الشّرق الأوسط” الذي بشّر به الجِنرال غانتس وسيكون العمود الفقري لهذا الناتو؟
توقّفنا، أو بالأحرى اعتزلنا، حُروبنا ضدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي، تحت ذريعة “الإنهاك” والرّغبة في الرفاهيّة والاستقرار، ودخلنا، أو بعضنا، في اتّفاقاتِ تطبيعٍ أمنيّ، وعسكريّ، واقتصاديّ معها، سواءً تجاوبًا مع ضُغوط أمريكيّة، أو لتبريراتٍ استسلاميّة في اعترافٍ غير مُباشر بالعجز والتخلّي عن المقدّسات والثوابت الوطنيّة والأخلاقيّة والعقائديّة، فلماذا الآن يُريد البعض الذّهاب إلى أبعد من ذلك بخوض حروبِ دولة هذا العدوّ العُنصري المُحتل، والدّفاع عنها وعُدواناتها، واحتِلالاتها لأراضينا، وما هو المُقابل لهذه الخدمات، ومجّانًا دُون مُقابل بل غير العار والهوان؟
الحقيقة، وباختصارٍ شديد، أن خزائن مُعظم الدّول الخليجيّة، والمُطبّعة منها خاصَّةً، بشَكلٍ مُباشر أو تحت الطّاولة، باتت طافحةً بالعوائد النفطيّة من جرّاء ارتفاع سعر البرميل إلى 125 دولارًا، وقد يصل إلى 150 في الأسابيع القليلة المُقبلة بفضل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين واجتياح قوّاته لأوكرانيا، فدولة مثل المملكة العربيّة السعوديّة التي كانت ميزانيّتها تُعاني عجزًا بعشرات المِليارات قبل بضعة شُهور، وصلت عوائدها الآن إلى مِليار دولار يوميًّا، وخرج علينا الثّنائي الأمريكي الإسرائيلي بضرورة توظيف هذه الأموال في حربٍ ضدّ إيران، بأموال العرب، وعلى أراضيهم، وإحياء الصّراع العربي الفارسي، وإشعال فتيل فتنة قد تمتد لسنوات أو عُقود في حُروبٍ تحصد الأخضر واليابس، وليس لنا فيها لا ناقة أو بعير.
إنها طبخةٌ “مسمومةٌ” تعدّها دولة الاحتِلال الإسرائيلي “المرعوبة”، ونُصِرّ على هذا التّوصيف، بإشراف رئيس أمريكي سيدخل التّاريخ بأنّه أنهى بلاده كقوّة عُظمى، بتوريطها في حربٍ عالميّةٍ ثالثة باتت مُعظم المُؤشّرات تُؤكّد هزيمتها والعالم الغربيّ فيها.
لا نعرف إلى متى سنظل كعرب دُمى في أيدي من يُهينونا ويحتلّون أرضنا ومقدّساتنا، وينهبون ثرواتنا، والأكثر من ذلك الضّحك على ذُقوننا، وجرّنا مفتوحي الأعين مِثل البُلهاء لخوض حُروبهم.. إنها قمّة المأساة.