دكتاتورية الديمقراطية!
بقلم / أشرف شنيف
تسوق دول الغرب للديمقراطية على أنها أفضل أنظمة الحكم عدلا ومساواة، بل أن تلك الدول تقوم بفرض ذلك النظام الغربي على باقي دول العالم بمختلف ثقافاتهم وخلفيتهم الفكرية، وهذا الفرض يكون بالقوة أو بالضغوط السياسة والاقتصادية والمالية والحصار والعزلة، ومن هنا نجد أن الدول العظمى الغربية تمارس الديكتاتورية على الدول المستضعفة بل وحتى القوية! وهذا يتناقض جملة وتفصيلا مع مبادئ الديموقراطية -التي يسوقونها- على أنها نظام يناهض حكم الفرد أو الأقلية التي تفرض على العامة دون أخذ رأيهم!
في نفس السياق، نلاحظ في ديموقراطيتهم رفض القبول بثقافة الآخرين التي تتنافى مع ليبراليتهم المطلقة، وهذا تناقض عظيم يؤكد دكتاتورية نظامهم الديموقراطي الذي يسعى لفرض ثقافة واحدة عالمية سائدة دون منح حرية المعتقدات للأغلبية التي ترغب ببقاء إرثها الديني والفكري وعاداتها وتقاليدها. يدعم ذلك رؤيتنا لمشروع ثقافي ديموقراطي غربي جديد يتمثل في دعم “حقوق المثليين” حول العالم، وتروج لذلك المشروع كبرى شركات العالم ، وهي أحد الأدوات الاقتصادية للديموقراطية الغربية التي تسعى من خلالها فرض ثقافات ليبرالية على باقي دول العالم رغما عن ثقافات شعوب العالم، وبالمثل نرى ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي الرائدة -وهي شركات أمريكية- ترويج ودفاع لحقوق المثلية بها بغض النظر عن المجتمعات التي ترفض وتنبذ ذلك الفكر الشاذ لها، وهناك تبرز دكتاتورية الديمقراطية والتي لا تحترم حريات الثقافات الأخرى والتي تنتشر فيها تلك الشركات ووسائل التواصل الاجتماعي!
وصورة من صور دكتاتورية الديمقراطية تتجلى في سن قوانين تفرض خلع النقاب والحجاب في الدول الديمقراطية التي أحد مبادئها الليبرالية! كيف لنا أن نرفض ونجرم حريات بينما ندعم ونشجع حريات أخرى؟! وإلى ماذا استندوا في ذلك؟! وأين قيم المساواة؟! إن كانوا يريدون الحريات فليدعوها للجميع دون تمييز.
عندما نسمع ونشاهد حملات الدول الديمقراطية الغربية الرائدة في العالم بضرورة حماية القاصرين من الاستغلال الجنسي نشاهد في نفس تلك الدول نشر للرذيلة في الشوراع والتي يعبر فيها القاصرين أيضا! فكيف تحمي تلك الفئة من التعرض لمشاهد تنتهك برائتهم بينما تدعي ضرورة حمايتهم من الاستغلال الجنسي؟! فهذا يعد تناقض عظيم في إدعاء الديمقراطية حماية القاصرين! مما يعني أن تلك الدول تمارس الديكتاتورية في الانفتاح المطلق لتنتهك به حقوق الأطفال والقاصرين في العيش ببيئة تربوية صحية.
من الجيد أن نجد مناخ سياسي تنافسي في الدول الديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، لكن مازالت تلك التجرية لها ما لها وعليها ما عليها أيضا، فمن معيب أن نجد التنافس ينحصر بين حزبين تحتكر الحكم دون غيرها، فمثلا في أمريكا تلك المنافسة منحصرة بين الحزب الديمقراطي والجمهوري وجل الدعم المالي ينصب لهما دون غيرهما، وكذلك الوضع في بريطانيا المحصور بين حزبي المحافظين والعمال، فيتم تداول السلطة بينهما دون غيرهما، وليس للشعب إلا إنتخاب ” أ ” أو “ب” وهذه تعد دكتاتورية ديموقراطية في فرض خيارين لا ثالث لهما ولمدة عقود طويلة، وكلا الخياران يخدمان الطبقة الحاكمة لا غير، لتكون مسمى تلك الدولة ديموقراطية!
على نفس الصعيد، ومن خلال متابعتنا للانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة وجدنا كيف تم حظر حساب الرئيس الأمريكي السابق ترامب على وسائل التواصل الاجتماعي بدعوى انه يسهم في نشر الفوضى في الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تضغط أمريكا على دول العالم بالسماح للمعارضين بممارسة نفس ما مارسه ترامب حتى وإن كان سيؤدي إلى نشر الفوضى في تلك الدول، كما رأينا كيف تم فض احتجاجات شعبية عديدة في أمريكا بالقوة المفرطة بينما ترفض أي مساس بأي احتجاجات شعبية في دول العالم كونها تحترم الحريات! وهذه تعد دكتاتورية الديموقراطية وبصورة فاضحة.
أخيرا، لا أسعى في مقالي هذا لرفض النظام الديمقراطي جملة وتفصيلا، بل لقراءة متأنية في تفاصيل الديمقراطية، فلكل شيء في العالم مميزات وعيوب، فليس بالضرورة نندفع لأخذ واستنساخ الديمقراطية الغربية، وليس بالضرورة أن لا ننتفع بأي نظام حكم في العالم دون مراعاة لثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية، فالتغير والتطور من سنن الحياة، ويجب علينا البحث باستمرار عن أفضل الأنظمة السياسية والاقتصادية بما يتلائم معنا ورؤيتنا لمستقبلنا، ولا نخضع لضغوط الدول العظمى الديمقراطية فهي متحالفة مع دول ذات حكم فردي بسبب المصالح السياسية والاقتصادية حتى وإن تحررت تلك الدول ثقافيا واقتصاديا فلازالت تحكم بنظام وراثي غير ديموقراطي، كما أن أنظمة الحكم حول العالم تتطور باستمرار بحسب مقتضيات الزمان والمكان والمصلحة، فصارت أنظمة “هجينة” تمزج نظام حكم سياسي معين يتلائم مع حاجاتها السياسية مع نظام آخر اقتصادي يلبي طموحها في النهوض الاقتصادي.