الرئيس إبراهيم الحمدي.. وعهد المغتربين والتنمية المشرق
– تقرير / محمد إبراهيم
منذ الطفولة كنا نسمع الآباء يتحدثون عن مشروع الطريق الرئيس الرابط بين محافظة ريمة ومحافظة ذمار والحديدة وبقية المحافظات هو من عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي الميمون، الذي شهدت اليمن خلال سنوات عهده الأربع أكبر نهضة تنموية في تاريخها قامت على أول خطة خمسية تنموية شهدها اليمن الجمهوري .. إنها الخطة التي وصلت إلى كل مدن اليمن وقرى وأريافها وسهولها وجبالها وكل خارطتها بلا استثناء.. الأهم من ذلك إن هذا العهد التنموي امتد إلى اليمنيين خارج الوطن وجعلهم يشعرون بقيمة الولاء الوطني، وجعلت لهم مكانة استثنائية في دول العالم خصوصا بالسعودية.. وأتذكر في هذا المقام أحاديث كثيرة من الذين كانوا مغتربين في المملكة حيث أكدوا أن خطابات الحمدي أججت فيهم حماس العودة إلى الوطن للمشاركة في هذا النهوض التنموي، ليؤثر هذا التوجه على سلطات العمل السعودية في تسهيل أعمالهم ومعاملتهم كمواطنين سعوديين حرصا على ألا تعود القوى العاملة الى اليمن. في هذه المادة سنتطرق إلى واقع المغتربين والتحولات التي شهدتها تجمعاتهم في الخليج وفي العالم.. لكن قبل ذلك سنتطرق الى البيئة التنموية التي خلقها الشهيد إبراهيم الحمدي على المستوى المحلي في الوطن الأم.. إلى التفاصيل :- على المستوى المحلي في الوطن الأم، أطلق الشهيد الحمدي الخطة الخمسية الأولى عقب حركة التصحيح التي قادها في 13 يونيو 1974م وشملت هذه الخطة كل مسارات التنمية بما في ذلك قرى وأرياف اليمن عبر تركيزها على مشروعه الوطني التعاونية الذي عزز المسؤولية المجتمعية لدى اليمنيين في الداخل والخارج.. – وفي هذا السياق يقول المناضل محمد عبد الواسع الطيب- رئيس تعاونيات قضاء النادرة عضو الاتحاد العام للتعاون في عهد الشهيد إبراهيم الحمدي- : “ كان للشهيد الحمدي بصمته في التشجيع على صناعة التحولات التنموية في البلد، بل كان المترجم الحقيقي لأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المباركة.. وتالياً لذلك فقد جعلنا جميعاً في تفاعل إيجابي مع مقتضيات النهوض بالتنمية في الحضر والريف، وأتذكر أن فكرة تنمية القرى التي طرحتها يومها مبتدأ من محافظة إب كانت في إطار المبدأ العام للتعاونيات الأهلية التي كانت أهم انجازات حقبة الشهيد الرئيس إبراهيم الحمدي – رحمه الله- والتي فتحت الباب لكل فرد في المجتمع ليكون له شرف الإسهام في بناء الوطن.. وأضاف الطيب – أحد أهم القيادات السياسية والقانونية الوحدوية والتنموية اليمنية- : فكرة تنمية القرى كانت قائمة- ولم تزل حتى اليوم جزءاً رئيسياً من أي مشروع يريد النجاح- على أساس تحقيق ديمومة عطاء المشاريع التي تنفذ في قرية من قرى اليمن، وبمساهمة كل مواطن.. شريطة تعهد هذا المشروع أو ذاك بالصيانة المستمرة والتوسع، والتحديث والإشراف على حمايتها من أي ضرر أو إهمال، وفق آلية تحدد العناصر المسؤولة عن المشروع مسؤولية مباشرة أمام الهيئة العليا للتعاون الأهلي، وأمام المواطنين عن سلامة سير العمل في المشاريع والحفاظ عليها بصفة مستمرة باعتبارها حقاً عاماً لجميع المواطنين.. ولتحقيق هذا الهدف الأساسي تم انتخاب لجنة من ثلاثة أشخاص في كل قرية على أن يكون عضو الجمعية العمومية رئيساً للجنة إن وجد في القرية وإن لم يكن الأكثر حيازة على الأصوات رئيسا للجنة على أن تتم الانتخابات تحت إشرافه في القرى التي يمثلها ويعتبر المسؤول الأول أمام الهيئة بحيث يوافيها بصفة دورية بتقارير عن سير العمل في المشاريع التي تنفذ والتي تحتاجها القرى وحل الصعوبات التي تواجهها اللجان، لتتولى الهيئة الإدارية تلك المشاريع ومعرفة تكاليفها، ومقدار مساهمة المواطنين ووضع الحلول المناسبة لتنفيذها.. – ومن واقع صداقته بالشهيد الحمدي يقول اللواء محمد عبد الواسع الطيب: قصص الحمدي المتصلة بالتنمية والمجتمع وهموم البسطاء لا تنتهي ولا يتسع هذا المقام لسردها…. لكن ما يجب الإشارة إليه، هو أن أهم القصص التي لم أنسها حدثت تقريبا في العام 1976م حيث التقينا ذات يوم بالرئيس إبراهيم الحمدي في منزل الأستاذ عبدالله حمران – رحمهما الله جميعاً.. فسألني الرئيس الحمدي يومها عن أوضاع الناس والتنمية في محافظة إب وتحديدا الأوضاع في مديرية الشِّعِر والنادرة والسَّدَة ودَمْت وغيرها من المديريات، فطلبت منه زيارة المنطقة الوسطى، فوافق مؤكدا عزمه الزيارة على وجه السرعة، ووجهني بأن أسبقه إلى المنطقة الوسطى، وفعلا دون أي تسويف وصل اليوم الثاني إلينا وقدم لهيئة التعاون في هذه المديريات مليوني ريال، وعمل مستشفى وادي بنا الذي لا يزال قائما حتى اليوم، ومشروع مياه العود وغيرها من المشاريع التنموية التي تحققت بعد تلك الزيارة”. بيئة التنمية والرسائل الوطنية * لقد خلق الشهيد إبراهيم الحمدي – رحمه الله –بيئة استقرار تنموية واستثمارية أعقبت سنوات عجافاً من الصراعات اليمنية 8 سنوات بين الملكيين والجمهوريين، وأربع سنوات بين القوى السياسية التقليدية والحداثية لتضيع هذه السنوات الفرص التنموية وضاعفت زيادة أعداد المهاجريون اليمنيين إلى خارج الوطن، ليعيشوا الشتات والمنافي تحت تجمعات هزيلة وكيانات غير موحدة، لذلك جاء الرئيس الحمدي كمفاعل تنموي فجر الطاقات الكامنة لدى الشباب على مستوى خارطة الوطن… ومنقذ حقيقي للمغتربين اليمنيين بربطهم بالوطن فاستطاع خلق بيئة أعمال جاذبة استعادت الرساميل اليمنية المهاجرة وضاعفت دور المهاجرين اليمنيين في التنمية.. رفع مكانة المغتربين * سياسة الحمدي المنفتحة على الشراكة المجتمعية تداعت ايجابياتها ليس على استقطاب المغتربين رؤوس أموالهم فحسب بل عززت مكانتهم في الخارج، خصوصا في سوق العمل السعودية.. وفي هذا السياق تتناول روايات من كانوا مغتربين في عهده، إن إضرابا قام به عمال يمنيون كثر في جدة، كان ذلك في العام 1975م على إثر إصدار سلطات العمل السعودية قراراً يمنع تمليك المحلات للأجانب واليمنيين.. وحينما علم الرئيس الحمدي بذلك قرر السفر إلى السعودية للاعتراض الرسمي على القرار الذي شمل اليمنيين، والتقى بالملك فيصل وذكره بالدور التنموي والنهضوي الذي لعبه اليمنيون في بناء نهضة المملكة.. كما ذكره بمعاهدة الطائف التي انبنت عليها قيم تقتضي معاملة اليمنيين في الأراضي السعودية كسعوديين والعكس. مطالبا باسم القيادة والشعب اليمني بإلغاء هذا القرار، أو استثناء اليمنيين لأن شمولهم يعد انتهاكا لاتفاقية الطائف، مهددا بإلغاء الاتفاقية. وبهذا الموقف السياسي استثنت السلطات السعودية اليمنيين، وعززت مكانتهم وأعمالهم ومعاملتهم. كيان واحد للمغتربين * كان المغتربون مشتتين في كل دول العالم ومشتتين داخل كل بلد فلا يوجد كيان مؤسسي جمعهم رغم محاولاتهم المشهودة في لم شملهم، ولكن في كيانات وتجمعات صغيرة، لكن شكل عهد الشهيد إبراهيم الحمدي تحولاً جذرياً ومؤسسياً على صعيد لم الشمل اليمني خارج الوطن وفي كل بلد.. – وفي هذا السياق يقول رجل الأعمال اليمني المغترب في ميشجن بأمريكا، يحيى الماوري في كتابه (مذكرات مغترب- الدور الوطني للمغتربين اليمنيين): في عهد الشهيد الحمدي انصهرت كل الكيانات والتجمعات الخاصة بالمهاجرين خارج الوطن في إطار الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين الذي تأسس من خلال المؤتمر العام الأول للمغتربين عام 1976م الذي انعقد في صنعاء لتصبح كل مؤسسات المغتربين والجمعيات في كل البلدان التي يتواجد بها اليمنيون فروعاً للاتحاد بما في ذلك الجمعية العربية اليمنية الأمريكية في منطقة ديربورن والجمعية العربية اليمنية الأمريكية في منطقة ديترويت – همترامك… كان ذلك بعد تحويل الجمعية إلى فرع للاتحاد العام للمغتربين اليمنيين الذي كان مركزه الرئيسي في صنعاء.. * من جانبه قال محمد سعيد عبدالله – المدير التنفيذي في الجمعية اليمنية الأمريكية ولاية ميشجن -: “بعد حركة ١٣ يونيو شعر المغتربون بصدق توجهاته القيادة السياسية في صنعاء ممثلة بالرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، فشكلوا وفدا لمقابلته، ليطرحوا عليه مقترح إيجاد كيان للمغتربين اليمنيين وكان ردة فعله إنه مع الفكرة ولكن لا يوجد إمكانيات مادية فإذا أنتم قادرون فلا مانع”. فأبدينا استعدادنا لدعم وتوفير الإمكانيات حتى تم عقد المؤتمر الأول للمغتربين في نوفمبر من عام ١٩٧٦م وكان هذا هو التحول الأهم في تاريخ كيانات المغتربين، إذ خرج المؤتمر بإعلان تأسيس الاتحاد العام للمغتربين اليمنيين.. مؤكداً أن مؤتمر المغتربين في عهد الشهيد الحمدي 1976م شكل أهم تحول في واقع المغتربين حيث لم شملهم بعد الشتات. تعزيز الدور التنموي * الأستاذ علي المعمري – وكيل وزارة شؤون المغتربين لقطاع الجاليات، أكد في مداخلته: أن الشهيد إبراهيم الحمدي هو أول رئيس اهتم بالمغتربين اليمنيين في عهد الجمهورية وتمثل اهتمامه بانعقاد المؤتمر العام الأول للمغتربين في العام 1976م وإنشاء الاتحاد العام للمغتربين الجهة الرسمية التي تعد الجهوة الوحيدة المخولة دستوريا وقانونيا الاهتمام بشؤون المغتربين في حينه.. وقد شكل هذا الخطوة التأسيسية للشراكة الشراكة التنموية الحقيقية مع المغتربين وكان لهم من يومها دور تنموي كبير في كل ما شهدته اليمن من نهضة حتى اليوم.. مضيفا أن الشهيد الحمدي – رحمه الله- كان يولي المغتربين اهتماماً خاصاً وشجع على قيام فروع للاتحاد العام للمغتربين في مختلف بلدان العالم، لتلعب هذه الفروع في لم شمل المغتربين الذين شكلوا أهم روافد التنمية والاقتصاد الوطني.
* المصدر / الثوره